الأقسام

Posted: 2018-03-17 21:47:34

لا يمكن بسهولة التعرف على مدخل مركز المرأة في حطين. الفلافتة الموجودة  تكاد تختفي خلف كابلات الكهرباء والأطباق اللاقطة المنتشرة على الجدران والأسطح في مشارف مخيم حطين للاجئين بالقرب من العاصمة الأردنية عمان.  تاريخيا كان هذا المخيم  يأوي بالدرجة الأولى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن في السنوات الأخيرة وجد عدد كبير من اللاجئين السوريين طريقهم إلى المنازل البسيطة في أزقته . الآن، يعيش الفلسطينيون والسوريون جنباً إلى جنب بالقرب على بعد 10 كيلومترات من عمان، حيث يجسد ذلك تجلياً واضحاً لوضعية الأردن بين النزاعات  في المنطقة.

تعزيز حقوق المراة 

يدار المركز في حطين بواسطة اتحاد المرأة الأردنية JWU، الذي يتعاون مع مؤسسة KVINFO  ضمن برنامج الشراكة الدنماركية العربية DAPP ، بهدف العمل على تعزيز حقوق المرأة في الأردن.

واحدة من النساء الذين استفادوا من مشاريع المركز تدعي “أسماء”، حيث كانت في البداية من بين المترددين عليه، واليوم حصلت على وظيفة في المركز. ولكن قصتها بدأت في سوريا.

تقول أسماء: “قصتي بدأت في سورية حيث كنت فتاة من عائلة محافظة. وتزوجت من عائلة كانت أيضا محافظة. وقد كنت أحصل على كل ما أطلبه. أنا لم أكن أخرج لمكان، ولا حتى للتسوق. هذا ما تقوله التقاليد: النساء لا يخرجن. لذلك فقد كنت أعتمد بشكل كامل على عائلتي”.

 تبدو أسماء في وقت واحد شابة وطاعنة في السن، وتعاملها رئيسة المركز بقدر متساو من الرعاية والإعجاب. تخبر أسماء كيف اضطرت الفرار إلى مخيم الزعتري في الأردن مع زوجها وأطفالها الأربعة، لكن الوضع في المخيم لم يتمكن جميع أفراد الأسرة تحمله. تأثر زوجها بشدة بالرحلة وفقد قدرته على إدارة شؤون العائلة. لذلك لم ترَ أسماء أي طريقة أخرى غير مغادرة المخيم مع طفليها والبحث عن أختها التي كانت تعيش في مخيم حطين.

“لا يوجد شيء مستحيل. هذا هو الشيء الذي أفكر فيه عندما أفكر في المستقبل. لقد خلقت شيئا من العدم. والآن أتمنى أن يتم تعليم أطفالي حتى يتمكنوا أيضاً من الوصول إلى أهدافهم”.

أسماء

وعن سبب هذا القرار تقول أسماء: “كان ينبغي على شخص ما القيام بشيء ما. هنا بدأت معركة طويلة ورحلة طويلة بصفتي لاجئة سورية وإمرأة خارج المخيمات. ما كان متبقياً لي آنذاك هو الإرادة لرعاية عائلتي”.

ونظرًا لأن فكرة اتخاذ قرار السفر إلى عمّان وحدها مع طفلين وبدون دخل أو حماية، فقد كان من الصعب تخيل أسماء، في صورة تلك المرأة المتحفظة والمترددة التي تصفها هي.

وتقول اسماء: “عندما خرجت من المخيم، كان عليّ أن أغيّر حياتي وشيئا من شخصيتي. فقررت التخلي عن المرأة الضعيفة التي اعتدت أن أكونها. لقد قررت المضي قدما. أخبرني الناس عن هذه المنظمة، الاتحاد النسائي الأردني. أولا قمت بالمشاركة لأول مرة في جلسات التوعية التي أعدتها المنظمة وهي عبارة عن دروس في مجال حقوق المرأة ، و بعد ذلك تلقيت مساعدة نفسية إجتماعية”. وتضيف :” لقد كنت في أشد الحاجة إلى المساعدة النفسية الإجتماعية. لقد ساعدني ذلك كثيرا. ما تعلمته هناك قمت بتطبيقه أيضاً على عائلتي”.

تغيير في نمط الحياة

أحدث التعرف على المنظمة النسائية الأردنية تغييرا في تصور أسماء لحالتها. لقد أدركت أنه يحق لها أن تسيطر على حياتها. فحصلت على عدد من الدورات في المركز، واكتسبت مهارات جيدة في مجال تكنولوجيا المعلومات مما ساهم في تأهيلها للحصول على وظيفة في أحدى المكتبات. وفي وقت لاحق إلتحق زوجها وأولادها بها، لكنها استمرت في العمل. لقد كان هذا يعتبر غير متوقع في وقت سابق من حياتها.

وتقول أسماء: “الآن حياتي أفضل بكثير. لقد تغيرت الأمور،وأنا الآن إمراة  عاملة. أنا أعيل عائلتي. لقد انتقلت إلى منزل أفضل. وأنا قادرة على رعاية حقوق أطفالي”.  اليوم لدى أسماء سبب وجيه يجعلها فخورة بحقيقة أنها تعول عائلتها. فالقفزة الذي قطعتها منذ أن كانت تعيش في سورية ضخمة.

مديرة مركز كفينفو الدنماركي، هنرييت لاورسين، زارت مركز حطين واطلعت على تجارب نسائية مشابهة لتجربة أسماء. وعن انطباعها من هذه الزيارة تقول لاورسين:”ما لمسته حقا في الأردن هو كون الطريق قصير للغاية إلى الاستقلالية بالنسبة لتلك النساء”.

وتواصل قائلة: “ما رأيته بالفعل في الأردن هو مدى قصر الطريق إلى الاستقلال بالنسبة لهؤلاء النساء. وحقيقة أنك تلتقين مع النساء في نفس حالة أسماء وتتحدثي عن حقوقهن، يعتبر فعلا هو المدهش لحدوث تغيير كبير بخصوصه. وبالطبع، عندما يتم ترجمة هذه الحقوق إلى شيء يمكنك استخدامه بالفعل”.

يدير اتحاد المرأة الأردنية 16 مركزًا في جميع أنحاء البلاد، و تقدم دورات ودعمًا قانونيًا، وتوفر حماية للنساء المعنفات. ويقع عدد من  من هذه المراكز في المناطق التي يوجد بها عدد كبير من اللاجئين.

لا تفريق في الجنسية

وتؤكد مديرة المركز السيدة أسمهان سرحان أن الجنسية لا تعني أي شيء بالنسبة لتقديم الخدمات في المركز وتقول: “مراكز المنظمة موجودة لأولئك الذين يحتاجون إلى الدعم. النساء في حطين يكافحن بنفس نوعية المشاكل التي تواجهها النساء في بقية البلاد؛ سواء كن من الأردنيات، أو السوريات، أو الفلسطينيات”.

وتضيف سرحان:” النساء بحاجة إلى معرفة حقوقهن الخاصة، ويحتاجن إلى مهارات تجعلهن يحصلن على عمل ويكسرن إعتمادهن على الرجال والعائلة – وخاصة اللواتي يعشن في ظروف غير آمنة”.

وتضيف: “المرأة بحاجة إلى وظيفة لتكون مستقلة إقتصاديا عن زوجها، مما يجعل موضوع الطلاق ممكناً”.

واعتبرت سرحان أن وعي النساء بحقوقهن وحده له تأثير تحرري على العديد من النساء اللاتي يزرن المركز. وقالت:” إن فهم ومعرفة أن الطلاق هو خيار، على سبيل المثال، يساعد النساء في الزيجات الإشكالية على الإعتراض وتقديم المطالبات – لأنهن يعرفن حقوقهن ويعرفن أن هناك طريقة بديلة إذا لزم الأمر”.

” النساء بحاجة إلى معرفة حقوقهن الخاصة، ويحتاجن إلى مهارات تجعلهن يحصلن على عمل ويكسرن إعتمادهن على الرجال والعائلة – وخاصة اللواتي يعشن في ظروف غير آمنة”. 

أسمهان سرحان

وأضافت: “هذا هو أحد أهداف الدورات التي تعقد في إطار برنامج التوعية القانونية في المنظمة النسائية، والذي هو مدعوم من قبل مؤسسة KVINFO. إذ ينبغي تعزيز معرفة المرأة بحقوقها”.

تقوم المنظمة بتعليم النساء كيفية المطالبة بحقوقهن، واستخدامها في حياتهن اليومية. لكنهم يعملون أيضا على مستوى هيكلي وسياسي أكثر.  وعلى الرغم من التقدم في السنوات الأخيرة ، لا تزال هناك حاجة كبيرة لمزيد من هذا العمل.

وتتمتع النساء الأردنيات بوضع أفضل بكثير بالمقارنة مع العديد من البلدان الأخرى في المنطقة. على سبيل المثال، فهن متساويات سياسياً مع الرجال، ولهن مقاعد مضمونة بنظام الحصص في البرلمان، وحسب الدستور فهن يتمتعن بالحماية من التمييز القانوني القائم على نوع الجنس.

ما زال الطريق طويل

لكن من الناحية العملية، ما زال هناك طريق طويل إلى شيء مماثل للمساواة بين الجنسين. فإن معدل التوظيف بين النساء في الأردن لا يتعدى (12.6٪)، وفي مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي (حيث يحصل على المركز الأول المجتمع الأكثر مساواة)، فقد إنخفض معدل الأردن من المركز 93 في عام (2006)، ليصبح في المركز رقم 135 من أصل 144 هذا العام. وبعبارة أخرى، فإنه نادراً ما تفسر القوانين القليلة التي تكفل حقوق المرأة لصالح المرأة فعلياً.

هناك حاجة إلى جهود متعددة المستويات في نفس الوقت، ولذلك فقد بدأت مؤسسة KVINFO شراكة مع  اتحاد المرأة الأردنية أحد أهم اللاعبين في هذا المجال. وقد نشط الاتحاد في مجال العمل السياسي المتصل والذي أدى إلى عدد من التطورات في هذا المجال.  على سبيل المثال إلغاء المادة رقم 308 سيئة السمعة المتعلقة بالاغتصاب.

خط ساخن للنساء

يقوم المركز بتقديم الكثير للنساء حيث ان هناك خط ساخن للنساء في وقت الأزمات الطارئة، وهناك مساعدة قانونية لأولئك الذين يسعون إلى الطلاق أو ما شابه، وهناك غرفة خاصة لإلتقاء الوالدين المطلقين مع أطفالهم – وهو الشيء الذي كان قبل ذلك يتم تنظيمه في مراكز الشرطة.

لكن العرض الأساسي هو المعلومات والتعليم. فيمكن تدريب النساء اللواتي يأتين إلى هنا على مهارات مختلفة مثل تكنولوجيا المعلومات والحياكة.  كل ذلك يحدث في قبو المركز.

ففي هذا اليوم، تجلس أربع نسوة غارقات في الكتب المدرسية ، بينما ترسم الخامسة حروف وجمل بسيطة على السبورة. على الحائط هناك لوحة معلقة للأحرف الملونة الزاهية، مع زرافة متحركة. حولهم توجد طاولات للخياطة وأجهزة للكمبيوتر للدورات التي تجري حول المهارات التقنية. لكن بالنسبة إلى النساء الأربع، فإن الهدف الأساسي لوجودهن هو أساساً للقراءة والكتابة.

يرتبط تطوير الكفاءات إرتباطًا وثيقًا بإمكانية التوظيف، وبالتالي من أجل الاستقلال المالي. ولكنه يعتمد أيضًا على الشعور بأن الأشياء التي ظن المرء أنها غير ممكنة، يمكن فعلها في الواقع.

وعندما سألت أسماء عن أملها في المستقبل، أجابت دون تردد: “لا يوجد شيء مستحيل. هذا هو الشيء الذي أفكر فيه عندما أفكر في المستقبل. لقد خلقت شيئا من العدم. والآن أتمنى أن يتم تعليم أطفالي حتى يتمكنوا أيضاً من الوصول إلى أهدافهم”.

  • 0 تعليقات
كن أول شخص يعجب بهذا.