الأقسام

Posted: 2021-03-22 07:00:00

في عام 1992 حددت الأمم المتحدة يوم 22 مارس/آذار ليكون اليوم العالمي للمياه، وفي كل عام يحمل هذا اليوم جرس إنذار للدول العربية، لتعيد ترتيب أوضاعها تجاه قضية المياه، التي تعد بحق واحدة من أخطر القضايا التي تواجه المنطقة.

وكثيرة هي المشكلات التي يعانيها العالم العربي، وذلك لأسباب كثيرة، على رأسها سوء الإدارة وغياب الإستراتيجيات الجادة والنافذة، للتعامل مع تلك المشكلات، ولكن حينما يتعلق الأمر بالمياه، التي هي سر الحياة، فلا بد من وقفة.

الأرقام التي ترصد وقع أزمة المياه في المنطقة العربية مخيفة؛ فالإحصاءات العالمية تبين أن المنطقة العربية من أفقر دول العالم من حيث توفر المياه، وكذلك تراجع نصيب الفرد من المياه العذبة الصالحة للشرب على مدار العقود الماضية.

وتذهب إستراتيجية الأمن المائي العربي إلى نتيجة مخيفة، وهي أنه في حالة استمرار الوضع المائي والزراعي في المنطقة العربية على ما هو عليه، ودون الأخذ في الاعتبار التأثيرات المحتملة لظاهرة تغير المناخ العالمي، فيتوقع ألا تستطيع المنطقة العربية تأمين سوى 24% من احتياجاتها من الغذاء، ومن المعلوم أن المنطقة العربية تستورد نحو 65% من احتياجاتها من القمح سنويا.

ومثل العديد من القضايا العربية، التي تتم إثارتها، تقتصر الجهود الإقليمية في هذا الشأن على وجود مؤسسات إقليمية لا يشعر بها أحد، ولا تكون لها صفة الإلزام، كما أن ما يصدر منها من أعمال فنية يبقى حبرا على ورق، فهل يشعر المواطن العربي بأن هناك كيانا اسمه "المجلس العربي للمياه؟ أو أن هناك إستراتيجية معنية بالأمن المائي العربي.

وفي هذه المناسبة العالمية لليوم العالمي للمياه، نبين حقيقة الوضع المائي في المنطقة العربية، عبر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، لكي ننبه المواطن العربي لخطورة القضية، ولكي نحيطه علما بأن ثمة واجبا عليه القيام به، من أجل الحفاظ على هذا المورد الشحيح، والذي سيزيد الطلب عليه عام 2040 بنسبة 50%، في حين سيزيد الطلب على الطاقة في العام نفسه بنحو 25% فقط، وهو ما يعكس أهمية المياه في المرحلة القادمة.

العراق والصومال وجزر القمر وجيبوتي تعيش حالة إجهاد مائي (غيتي)
  • ما مظاهر أزمة المياه في المنطقة العربية؟

تقع المنطقة العربية ضمن حزام الأراضي القاحلة والجافة، وثمة خلل بين العرض والطلب على المياه في المنطقة؛ فمن حيث العرض يمثل متوسط نصيب الفرد من المياه نسبة 10% من المتوسط العالمي، كما أن جانب الطلب في تزايد مستمر، بسبب ارتفاع معدل الزيادة السكانية، الذي يبلغ 2% سنويا، وهو ضعف معدل متوسط الزيادة السكانية على مستوى العالم.

وعن كميات المياه المتاحة في المنطقة العربية، تقدرها الإحصاءات الخاصة بالتقرير العربي الموحد لعام 2020، بنحو 274 مليار متر مكعب من المياه السطحية، من الأنهار الداخلية، أو الأنهار المشتركة التي تأتي من خارج المنطقة، كما تقدر المياه المتاحة من المصادر الجوفية والتحلية بنحو 62 مليار متر مكعب، في حين تصل نسبة استغلال المياه المتجددة سنويا داخل المنطقة العربية لنحو 77%.

وفي ضوء وضع الدول العربية من حيث التصنيف المائي، فهناك دولة واحدة فقط تتمتع بحالة اكتفاء ذاتي من بين الدول العربية، وهي موريتانيا، حيث تصل حصة الفرد السنوية من المياه لأكثر من 1700 متر مكعب، في حين هناك 4 دول تعيش حالة إجهاد مائي، وهي: العراق، والصومال، وجزر القمر، وجيبوتي؛ حيث تتراوح حصة الفرد السنوية من المياه بهذه الدول بين ألف متر مكعب و 1700 متر مكعب، و5 دول أخرى تعاني من ندرة المياه، وهي: لبنان، وسوريا، ومصر، والسودان، والمغرب، وتبلغ حصة الفرد السنوية من المياه لهذه الدول بين 500 متر مكعب  إلى ألف متر مكعب، وثمة توقعات كبيرة بأن تتعرض مصر لأزمة حادة في المياه خلال الفترة القادمة، في حالة نجاح إثيوبيا في تنفيذ مشروع سد النهضة كاملا.

أما توصيف الفقر المائي الحاد في المنطقة العربية فتعيشه 12 دولة، هي: اليمن، والسعودية، وسلطنة عمان، والكويت، والإمارات، وقطر، والأردن، وفلسطين، وليبيا، وتونس، والجزائر، وتبلغ حصة الفرد السنوية للفرد بهذه الدول أقل من 500 متر مكعب.

  • ما نصيب الفرد من المياه في المنطقة العربية؟

تشير إحصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020 إلى أن نصيب الفرد من المياه العذبة سنويا في المنطقة العربية يبلغ 800 متر مكعب في عام 2019، وسيتعرض للتناقص عام 2025 ليصل إلى 667 مترا مكعبا، وهو ما يعني أن متوسط نصيب الفرد من المياه عام 2025 سيمثل نسبة 20% مما كان عليه عام 1955، حيث كانت هذه الحصة للفرد تبلغ 3430 مترا مكعبا.

مع مراعاة أن الأرقام الخاصة لعام 1955 كانت تتضمن حصة دولة جنوب السودان، التي لديها حصة كبيرة من المياه العذبة، إلا أنها بانفصالها عام 2011 عن دولة السودان تسببت في تراجع حصة الفرد في المنطقة العربية من المياه العذبة.

  • ما مقدار الهدر المائي في المنطقة العربية؟

الهدر للأسف الشديد لا يقتصر في المنطقة العربية على المياه، ولكنه يشمل مجالات اقتصادية أخرى، مثل الغذاء، أو المحاصيل الزراعية عند جمعها وتعبئتها، أو الطاقة، ولكن بالنسبة للمياه فتعد طرق الري التقليدية في المنطقة العربية أحد أهم أسباب هدر المياه.

وتشير الأرقام الخاصة باستخدام المياه في المنطقة العربية -بين الأنشطة المختلفة- إلى أن قطاع الزراعة يستحوذ على 84% من المياه المستهلكة، في حين يستحوذ الاستهلاك المنزلي على نسبة 9%، وتنصرف نسبة 7% للنشاطين الصناعي والتجاري.

وتذهب التقديرات إلى أن نسبة الهدر في المياه المستخدمة في نشاط الزراعة تتراوح بين 25 و30%، بسبب نظم الري التقليدية، وكذلك ري المحاصيل أكثر من مرة، أو زيادة مقننات أكثر من اللازم في المرة الواحدة.

هناك 87 مليون نسمة معرضون للإصابة بكورونا بسبب عدم توفير مصدر محسن لمياه الشرب في منازلهم (غيتي)
  • ما خيارات الدول العربية لمواجهة شح المياه؟

تبقى نقطة مهمة بارزة عند الحديث عن كثير من القضايا العربية، وهي أنه يتم تناول القضايا كأن العالم العربي كيان واحد، أو أنه يمكنه أن ينطلق من حالة من الوحدة لتنفيذ مخطط أو إستراتيجية ما، ولكن الواقع يشير إلى ممارسات قُطرية، وتصل كل دولة إلى نتائجها الخاصة بها، وهذا يؤدي إلى ارتفاع التكلفة على صعيد كل دولة، فضلا عن وجود حالة من العجز لدى بعض الدول العربية، لفقرها المالي أو البشري.

وعلى صعيد قضية شح المياه، هناك مقترحات ولكنها تبقى في الإطار النظري، مثل الانتقال إلى نظم الري الحديثة، لتوفير المياه المهدرة في نظم الري التقليدية، ويتطلب ذلك وجود خطة لإلزام المزارعين بنظم الري الحديثة، مع التفكير في توفير التمويل اللازم لإنشاء مثل هذه الشبكات، وكذلك وجود حلول للتغلب على مشكلة الملكيات الصغيرة، التي لا تتناسب مع نظم الري الحديثة.

وكذلك اللجوء إلى معالجات المياه المستخدمة، سواء في الزراعة أو الصناعة أو الاستهلاك المنزلي، ولكن هذا يتطلب استثمارات كبيرة من أجل إقامة محطات المعالجة المختلفة حسب كل نشاط، وكذلك وجود خطة للاستفادة من المياه المعالجة، حيث يكون هناك تنسيق بين الكميات المعالجة والكميات المطلوب استخدامها، ومراعاة طبيعة المياه المعالجة للأنشطة المختلفة؛ فالمياه المعالجة المطلوبة لزراعة المحاصيل الغذائية، تختلف عن المياه المطلوبة لري الغابات مثلا.

وتأتي تحلية مياه البحر كأحد طرق مواجهة شح المياه، وهي مستخدمة إلى حد ما في دول الخليج، ويساعدها في ذلك إمكاناتها المادية، ولكن هناك دولا عربية أخرى قد تمثل تكنولوجيا التحلية بالنسبة لها أزمة مالية، فضلا عن المتطلبات اللازمة من إقامة البنية الأساسية للاستفادة من تحلية المياه.

وتغيب عن المنطقة العربية رعاية التكنولوجيا اللازمة لعملية التحلية، من خلال توطين هذه التكنولوجيا وتطويرها وإنتاجها محليًا، وتطويعها لتكون اقتصادية عند التنفيذ.

  • كم قيمة الاستثمارات المطلوبة لمواجهة شح المياه في المنطقة العربية؟

قطاعات متعددة في المنطقة العربية تحتاج إلى استثمارات، ولكن على مستوى تلبية الطلب المتزايد على المياه في المنطقة العربية خلال الفترة من 2015-2025، تقدر بنحو 200 مليار دولار، تحتاجها مشاريع البنية التحتية لقطاع المياه.

وفي ضوء التقديرات الواقعية لإنفاق حكومات المنطقة العربية على قطاع المياه، وُجد أنها تتراوح بين 1.7 و3.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما نسبة الاستثمار التي يحتاجها القطاع تقدر بنحو 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي ظل الأزمة التمويلية التي تعيشها المنطقة العربية، سواء الدول النفطية أو غير النفطية، قد يظل الإنفاق الحكومي على قطاع المياه كما هو، إلا أن تلجأ الحكومات إلى رفع أسعار المياه بشكل كبير، على كافة القطاعات، أو تلجأ إلى الديون، أو خصخصة القطاع.

  • ما تأثيرات جائحة كورونا على المواطن العربي بسبب نقص المياه؟

في دراسة لمنظمة الأسكوا بعنوان "آثار جائحة كوفيد-19 على المنطقة العربية الشحيحة بالمياه"، تمت الإشارة إلى أن هناك زيادة متوقعة في استهلاك المياه بنسبة 5%، بسبب متطلبات غسل اليدين كإجراء وقائي من الإصابة بكورونا.

وتوضح أن ذلك سيزيد أعباء الأسر العربية بنحو ما بين 150 و250 مليون دولار شهريا، وليس هذا فحسب، بل هناك نحو 74 مليون نسمة معرضين بشكل كبير للإصابة بكورونا، بسبب عدم امتلاكهم المرافق اللازمة لغسل اليدين.

كما أشارت الدراسة إلى أن هناك 87 مليون نسمة معروضين للإصابة بكورونا بسبب عدم توفير مصدر محسن لمياه الشرب في منازلهم، كما يتوقع أن يتعرض نحو 26 مليون نازح للإصابة بكورونا بسبب عدم توفير خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية في أماكن تواجد النازحين.

المزيد من اقتصاد

  • 0 تعليقات
كن أول شخص يعجب بهذا.