Omar Salem
by on يناير 8, 2011
178 views

المحارب الثالث عشر احمد بن فضلان ( محارب مع الفايكنج )

 


حدثت مفاجأة غيرت من مجري الصراع علي الزعامة ، فقد وصل رسول من بلاد الشمال البعيدة اسمه وولفغار بن روتفغار ، وهو من قبيلة بولييف ليخبره أن هناك أخطارا جمة تحيق ببلاده البعيدة وأنه علي بولييف الاستعداد للعودة إلي بلاده لانقاذها من هذه الأخطار ، وهذا يعني أن الزعامة حسمت لصالح (توركيل ) في المنطقة التي يقيمون بها . تمّ إستدعاء العجوز الشمطاء ( ملك الموت ) فقامت ببعض حركات الشعوذة لتخبر بعدها بولييف أنه دعي من قبل الآلهة لترك هذا المكان بسرعة ، ووضع كل همومه واهتماماته وراء ظهره ، وأن ينصرف كبطل لصد ما يهدد بلاد الشمال من الخطر ، وهذا الأمر يناسبه ، ويجب أن يأخذ معه أحد عشر محاربا ، وأخبرته أيضا أن فريقه كاملا يجب أن يكون مؤلفا من ثلاثة عشر محاربا أحدهم من غير أهل الشمال ، لذلك كان الثالث عشر غير الشمالي هو أحمد بن فضلان ، ومنذ تلك اللحظة حمل صفة المحارب الثالث عشر ، رغم كل الأعتذارات والتبريرات التي قدمها لاستثنائه من تلك المهمة ، لأنه اساسا غير محارب ولا يجيد فنون الحرب والقتال والكر والفر ، لذلك كانت هذه الحالة الإجبارية كارثة حقيقية لابن فضلان ، مما حدا به للقول :

بالنسبة لشخصي إعتبرت حالي كحال الشخص الميت ، لقد أصبحت علي ظهر سفينة من سفن أهل الشمال مبحرا شمالا عبر نهر الفولجا ، مع اثني عشر رجلا من جماعتهم ويبدو أن ابن فضلان كان يجيد اللغة اللاتينية ، فهو يقول : وقد كان من قبيل المصادفة ورحمة الله فقط أن يملك أحد مقاتليهم وهو الجندي ( هرجر ) مواهب خاصة ، وأن يعرف شيئا من اللغة اللاتينية ، وبفضل ذلك استطعت أن أفهم من ( هرجر ) مغزى ما جرى من حوادث .

التوغل في أعماق بلاد الشمال

واصل إبن فضلان رحلته علي ظهر السفينة مع المحاربين الآخرين ، مبحرين ثمانية أيام عبر نهر الفولجا ، ثم عبر فرعا آخر من النهر يسمي الأوكر عشرة أيام أخرى ، متقدمين نحو شمال الشمال حيث بدأ الثلج يغطي الأرض ، وعند وصولهم معسكرا شماليا اسمه مسبورغ تركوا السفينة ، وواصلوا الرحلة علي ظهور الخيل ثمانية عشرا يوما ، وهنا يلاحظ ابن فضلان الظاهرة الجوية التي نعيشها حتى اليوم في إحدى بلاد الشمال النرويج وهي أن النهار يكون طويلا في الصيف ، والليل طويلا في الشتاء ونادرا مايتعادل الليل والنهار ، وكلما زاد توغلهم في أراضي الشمال دخلوا مرحلة جديدة من الرحلة فقد ذهبوا في رحلة جديدة إستغرقت خمسة أيام إنحدروا فيها من الجبال إلي منطقة الغابات ، حيث يبدي ابن فضلان دهشته من حجم الغابات الخضراء والأمطار الغزيرة ، خاصة أن مسيرهم داخل الغابات استمر سبعة أيام أخرى ، وخلال ذلك يصف ابن فضلان كيفية بناء المعسكرات والمستوطنات لمواجهة الأعداء ، وتشكيل الجيوش المحاربة ، وبعض المعتقدات الخاصة بالآلهة ، والتعاويذ التي يواجهون بها تقلبات الطقس وهجوم القوي المعادية وغيرها ، دون أن ينسي سلوك الأسكندنافيين في كافة الأوضاع والحالات ، مركزا علي عادتين من عاداتهم : الإفراط في شرب الخمر وشدة المرح والفكاهة مهما كان الموقف عصيبا …

الإسكندنافيات الشقراوات

وقد كان من الطبيعي لابن فضلان القادم من منطقة عربية إسلامية محافظة ، أن يلفت انتباهه بشكل واضح منظر النساء الإسكندنافيات الشقراوات ، وسلوكهن الجنسي المتحرر بشكل علني ، لذلك فمن حين إلي آخر في أغلب فصول رسالته يعود للحديث عن هؤلاء الشقراوات .. ومن أوصاف ابن فضلان تلك قوله : إن نساء أهل الشمال شقراوات كرجالهم ، ويعادلنهم في طول القامة ولهن عيون زرقاء وشعورهن طويلة جدا وناعمة تتشابك بسهولة … كما لا تظهر النساء أي مراعاة أو سلوك للاحتشام ، فلا يتحجبن مطلقا ، ويفرجن عن أنفسهن في الأماكن العامة كلما ألحت عليهن الحاجة ، كذلك يتقدمن بجرأة نحو أي رجل يستحوذ علي إعجابهن ، ولكن ما هو رد فعل ابن فضلان إزاء سلوك هؤلاء الشقراوات الشبقات المتحررات جدا ، ما هو رد فعل عندما ألحت عليه الحاجة الجنسية ؟ شارك في معركة مع رجال الشمال ضد أعدائهم من شعب الفندال ، ووصف بشكل دقيق التحصينات والأسلحة ، وأنواع الخداع والمعتقدات الخاصة بحالات الحرب ، وما أن انتهت المعركة ، حتى بادر المحاربون لبناء التحصينات من جديد ، إستعداد لما يأتي ، ورغم أنه غريب عن البيئة وعاداتها وتقاليدها ، إلا أن ابن فضلان انخرط في العمل معهم ، مشدودا بشكل خاص وحميم إلي نسائهم …
وأثناء وصفه لعمله معهم في بناء الخنادق والتحصينات يقول : لم أفهم قيمة هذا الخندق التافه أكثر من فهمي لقيمة السور ، ولكنني لم أسأل هرجر عنه لمعرفتي المسبقة بمزاجه ، وبدلا من ذلك ، قمت بالمساعدة في العمل بأفضل ما أستطيع لم أتوقف إلا مرة واحدة لنيل رغبتي من جارية علي طريقة رجال أهل الشمال ، إذا كنت أنشط ما يكون بفعل الإثارة التي سببتها معركة الليل وأعمال النهار التحضيرية . إن هذا الاعتراف من ابن فضلان ، يمثل منتهي الصراحة والصدق ، خاصة أنه يأتي من رجل مسلم ، وفي وقت ذاته مبعوث للخليفة العباسي ، ويبدو أن عشرة ابن فضلان بين الإسكندنافيين ، رغم قصرها ، جعلته يتأثر بسلوكهم وتعاملهم مع المرأة ، رغم نهى دينه عما قام به فهو زنى واضح صريح باعتراف صاحبه ، وليس هذا فحسب ، فهو في مناسبات أخري ، يعترف بأنه كان يشرب الخمر معهم ، فهو يتحدث عن تقاليد وثنية اسكندنافية عندما يبللون أنفسهم بالماء ، رغم شدة برودة الجو ليلا ، ورفضه ذلك ، لكنهم غطسوه في الماء رغم أنفه من رأسه إلي أخمص قدمه ، وعندما بدأ يرتجف من البرد ، يقول .. ثم قدم لي كوبا من خمر يحضر من العسل والحبوب لتخفيف البرد وقد شربته بدون تردد ، وكنت مسرورا به …

لقد كان بوسعه أن يقول ( وقد أجبروني علي شرب الميد للتخلص من البرد ) ، لكن صدقه وموضوعيته تعترف ليس بشرب الخمر ، ولكن بمفعوله في نفسه وجسده ، وكنت مسرورا به ، وهو يعود إلي ذلك في موضوع آخر فيقول …( وأعطاني جرعة من الميد شربتها ، وشكرت الله وحمدته علي أنها غير محرمة ولا حتى مكروهة ، وفي الحقيقة أصبح لساني يستسيغ نفس المادة التي كنت أعتبرها كريهة فيما مضى ، وهكذا أن الأشياء ، التي كنا نعتبرها غريبة ، تصبح بالتكرار عادية ) ، وهذا يعني بإعترافه أنه أصبح مع الشماليين ، يشرب الخمور بشكل متواصل ، إلي أن اصبح طعمها ومذاقها عنده عاديين نتيجة تكرار تعاطيها ، إلا أنه من غير الواضح في النص ، كيف ولماذا يعتبر الميد رغم إنها من الكحول ثقيلة العيار غير محرمة ولا مكروهة .
وبالإضافة لما سبق يتحدث إبن فضلان ، بتفصيل شديد ودقيق عن العديد من نواحي حياة أهل الشمال ، وعاداتهم وتقاليدهم ، خاصة الوثنية منها في حالات السلم والحرب والعلاقات الإجتماعية المتعددة .. وهذا ما جعل الباحثون الإسكندنافيون المعاصرون يشيدون ب :

1 ـ دقة إبن فضلان في أوصافه وتحليلاته التي كتبها قبل ما يزيد عن ألف عام ، وجاءت في أغلبها منسجمة ومتوافقة مع كتاباتهم أنفسهم عن شعبهم في تلك المرحلة الموغلة في الماضي
. 2 ـ صدق ابن فضلان وموضوعيته ، فهو يجدد دوما في رسالته أن كان ما سيرويه قد شاهده بنفسه أو سمعه من مرافقيه الشماليين .

ولهذا السبب إكتفي الباحثون الإسكندنافيون برسالة أحمد بن فضلان ، وطبعت عام 1951 م في مختلف اللغات الإسكندنافية ، وقد كان أكثرهم إحتفاء وإهتماما بها كما سبق أن ذكرنا ، البروفسير النرويجي بير فراوس ـ دولوس هذا في الوقت الذي مازالت هذه الرسالة شبه غير معروفة لدي غالبية القراء والمثقفين العرب رغم صدورها في طبعتين عربيتين

 

كن أول شخص يعجب بهذا.