Omar Salem
by on يناير 8, 2011
174 views

المحارب الثالث عشر احمد بن فضلان ( محارب مع الفايكنج )

 

مراسم الموت والدفن

من أغرب ما شاهده إبن فضلان عند أهل الشمال الاسكندنافيين ، ووصفه في رسالته وصفا دقيقا ، مراسم الموت ودفن الميت عندهم ، فقد تصادف أثناء وجوده بينهم أن مات واحد من رجالهم الأجلاء ، يدعى "ويغليف" ، وقد حاول ابن فضلان الاستئذان للسفر إلا أنهم رفضوا طلبه وهددوه بالخناجر ، مصرين أن يحضر الجنازة ، لذلك جاء وصفه كشاهد عيان لهذه المراسم الغريبة العجيبة بالنسبة لابن فضلان المسلم متذكرين أنها تصدر عن قوم ما زالوا وثنين في ذلك الوقت . كيف كانت مراسم الموت والدفن تلك ؟ حسب وصف شاهد العيان ابن فضلان ، ولكن بلغتنا المعاصرة ، فقد كانت تلك المراسم كالتالي :

عندما يموت رجل جليل منهم ، أو أحد رؤسائهم يقومون بوضعه في قبره ويقفلون عليه القبر لمدة عشرة أيام ، حتى يفرغوا من تفصيل وحياكة الملابس اللازمة لهذه المراسم ، مراسم حرق الميت ، ومن ضمن هذه المراسم أن تحرق معه إحدى جواريه .. من منكن يموت معه ؟ .. فوافقت واحدة منهن طائعة راضية بمحض إرادتها ، فهذا حسب معتقداتهم شرف لها ، ومن لحظة موافقتها ، تسهر بقية الجواري علي خدمتها في كل أمور حياتها ومتطلباتها ، لدرجة أنهن يغسلن رجليها بأيديهن وهم يستعدون لتفصيل وحياكة الملابس اللازمة للحرق ( و الجارية في كل يوم تشرب وتغني فرحة مستبشرة ..).

ولما كان اليوم الذي سيحرق فيه الميت وجاريته ، تقوم الاستعدادات لذلك أمام النهر الذي ترسو فيه سفينته ، التي يجري إعدادها بشكل فائق الجودة والبذخ بما فيه السرير الذي سوف يمدد عليه الرجل /الرئيس المتوفى ، وتشارك في هذه المراسم ، إمرأة عجوز شمطاء ، تسمي عندهم ملك الموت وهي التي تتولي قتل الجارية التي وافقت علي الموت مع سيدها وفي اللحظة المحددة يخرجون الميت من قبره ، ويلبسونه سراويل جديدة ، وخف له أزرار من ذهب ويجعلون علي رأسه قلنسوة من ديباج ويضعونه في الخيمة التي علي السفينة ، ويجلسونه وقد اسندوه بالمساند ، ووضعوا أمامه الفاكهة والريحان والنبيذ والخبز واللحم والبصل ، ثم يقطعون كلبا نصفين ويلقونه في السفينة ، ويضعون جنب المتوفى جميع سلاحه ، ثم يجيئون بفرسين ، يذبحونهما بعد الغرق ويقطعون لحمهم بالسيف ويلقونه بالسفينة ، ثم يفعلون الشيء ذاته ببقرتين وديكا ودجاجة .. وأثناء ذلك تقوم الجارية التي سوف تحرق معه بالمرور داخل الخيم المنصوبة علي شاطئ النهر أمام السفينة . فينكحها كل صاحب خيمة ويقول لها .. قولي لمولاك إنما فعلت هذا حبا به … وبعد حركات متعددة تقوم الجارية أمام الحضور ، ومع العجوز ( ملك الموت ) تصعد إلي السفينة ، فتشرب النبيذ ، قدحا بعد قدح ، وملك الموت تقتلها بخنجر عريض النصل ، والرجال يضربون بالخشب علي التراس ، لئلا يسمع صوت صراخها ، فتجزع بقية الجواري ، فلا يوافقن بعد ذلك علي الموت مع أسيادهن ، ثم يتم حرق السفينة بكل ما فيها : الرجل السيد المتوفى وجاريته المتوفاة ، وكل الأشياء والحاجات التي تم جمعها في السفينة ، أثناء تلك المراسم العجائبية .

أما المفارقة الأغرب فهي مقارنة أحد الأسكندنافيين بين مراسمهم هذه ، ومراسم العرب في الدفن ، فقد قيل لابن فضلان عبر المترجم : أنتم معاشر العرب حمقى .. إنكم تعمدون إلى أحب الناس إليكم وأكرمهم عليكم فتطرحونه في التراب وتأكله الهوام والدود ، ونحن نحرقه بالنار في لحظة فيدخل الجنة من وقته وساعته ، هل هي نفس الخلفية الفلسفية التي تحكم مسألة حرق الميت حتى اليوم عند الهندوس في الهند ؟ ربما .. لأن بعض الهنود في زمن مضى ، كانوا يحرقون مع الميت زوجته ، إنها نفس المراسم تقريبا ، عند الأسكندنافيين القدامى تحرق الجارية التي توافق طوعا محبة في سيدها المتوفى ، وعند الهندوس زوجته التي توافق طوعا لمحبتها له .

تبدو مراسم الموت والدفن هذه العابقة برائحة النبيذ والجنس والنار غريبة ذات طابع عجائبي ، لذلك سارع ابن فضلان لتفسيرها استنادا لعادات أهل اسكندنافيا ومعتقداتهم فقال : لا يجد هؤلاء الإسكندنافيون سببا للحزن علي موت أي إنسان و لا فرق في ذلك أن يكون الميت فقيرا أو غنيا وحتى موت شيخ العشيرة لا يثير حزنهم أو دموعهم . ففي نفس مساء نفس اليوم الذي أقيمت فيه مراسم جنازة الزعيم (ويغليف ) ، كانت هناك وليمة عظيمة في ردهات الشماليين ، وقد لاحظنا أن ولائمهم طافحة دوما بالخمر والجواري والجنس العلني أمام أعين الجميع .

إعتقد ابن فضلان أنه بعد مشاركته في مراسم الميت ودفنه ، سوف يسمح له بالمغادرة ، لكن ظنه خاب ، فقد بدأ الصراع الداخلي بين زعماء أهل الشمال لخلافة الزعيم المتوفى ، وانحصر الصراع بين الزعيمين ( بولييف ) و ( نوركيل ) ، وكان كل واحد يحشد لمناصرته الأعيان وذوي النفوذ ، وكان ( توركيل ) ـ كما فهم ابن فضلان ـ يتطلع لمساندته ضد ( بولييف ) في صراعهما علي الزعامة ، خاصة أن ( توركيل ) ، كان طيلة الوقت يعتقد أن ابن فضلان مشعوذ وساحر ، يتمتع بقوة معينة ، تسببت في موت ( ويغليف ) وأسهمت في في ترجيح كفة ( بولييف ) ضده ، لذلك فهو يريد بقاءه إلي جانبه ، ويعلق ابن فضلان علي رؤى ( توركيل ) هذه بموضوعية عالية قائلا : إنما في الحقيقة لم يكن لي دور في أي من هذه المزاعم .

لذلك سمع ابن فضلان نصيحة الترجمان ، وقرر البقاء وعدم اللجوء للهرب ، لأنه في حالة إكتشاف أمره سوف يعامل كلص ، حيث يقوده الناس إلي شجرة ضخمة ، ويوثقون حبلا قويا حوله ويشنقونه ثم يتركونه معلقا حتى يبلي جسمه ويتناثر إربا بفعل الريح والمطر
كن أول شخص يعجب بهذا.